فأما من سلك سبيل السعادة ووفق في الثبات عليها فمن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى فضلاً ومنةً وكرماً، ولهذا فإن الصحابة الكرام لما أنشدوا كانوا يقولون: اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا). وكما قال تعالى: ((يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)) [الحجرات:17] فالمنِّة لله ولرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكذلك من يُسر لعمل أهل الشقاوة فهذا عدل، وليس في كلا الحالتين ظلم.
ولهذا لما احتج المُشْرِكُونَ عَلَى الشرك بالمشيئة في قولهم: ((لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا)))) [الأنعام:148] قلنا: إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رد عليهم بالحجة العظيمة وهي إرسال الرسل فقَالَ: ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ))[النحل:36] فليس هناك حجة وقد جاءتكم الرسل تنذركم كما قال الله تعالى: ((فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ)) [النحل:36] فالمجرمون حق عليهم الضلالة فلم يوفقهم الله للهداية، لأنهم أهلاً لئن يكونوا من أهل الشقاوة، فقد كانوا يرون أنفسهم عَلَى الشر بالسير في طريق الشقاوة، ولم يحاولوا أن ينصرفوا إِلَى الخير مع قيام الحجة عليهم، ووضوح البينة واستبانة الطريقة. ولهذا يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له}.